بحث رائع عن الملك مينا نقلته لكم لأهميته. للأستاذ محمد راغب
"الملك مينا موحد القطرين".. "الملك مينا موحد الوجهين".. "الملك مينا موحد مصر".. "الملك مينا وتوحيد مصر".. كلها عناوين كثيراً كنا ومازلنا نسمعها.. حتى اعتقدنا أننا نعرف عن هذا الملك كل شئ.. حتى اعتقدت أن البحث عن حياة هذا الملك لن يستغرق كثيراً..
"الملك مينا موحد القطرين".. "الملك مينا موحد الوجهين".. "الملك مينا موحد مصر".. "الملك مينا وتوحيد مصر".. كلها عناوين كثيراً كنا ومازلنا نسمعها.. حتى اعتقدنا أننا نعرف عن هذا الملك كل شئ.. حتى اعتقدت أن البحث عن حياة هذا الملك لن يستغرق كثيراً..
البحث فى تاريخ الملك "مينا" كنت أظن أنه سيكون شيئاً سهلاً يمكن أن أنهيه فى خمس دقائق إلا أننى إكتشفت أننى كنت خاطئاً فبالرغم من أن الجميع يعلم بأنه أول من إستطاع أن يوحد القطرين إلا أن الكثير لا يعلم أنه كان هناك محاولات أخرى من ملوك سابقين لتوحيد القطرين ولكنها فشلت أو لم تكتمل.. كما أن المعلومات التى أعرفها ويعرفها الكثير لا تكفى لكتابة بحث كامل عن ملك.. فماذا سنكتب فى هذا البحث.. هل سنكتب (الملك مينا أول من وحد القطرين) ثم نقف عن الكتابة؟؟ بالطبع لا.. فلابد لكتابة البحث أن يكون هناك معلومات كثيرة عما نبحث عنه.. لقد كنت مثل الآخرين أظن أن الملك "مينا" هو نفسه الملك "نارمر" كما أن المؤرخين ودارسى الآثار كانوا يعتقدون كذلك أيضاً حتى أثبتت البحوث الحديثة بأن "مينا" ملك و"نعرمر" هو ملك آخر فمن الذى وحد القطرين؟؟ هل هو "مينا" أم "نعرمر"؟؟ ومن يكون كلاً منهما؟؟؟.. ستجدون بإذن الله إجابات هذه التساؤلات فى هذا البحث المتواضع..
أول تاريخ الأسرات:
إختلف المؤرخون فى تحديد السنة التى بدأ فيها "مينا" حكم مصر المتحدة فمنهم من يرجع بنا إلى سنة 4326 ق.م, ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك, ويضع تاريخ هذا الحادث فى نحو سنة 5000 ق.م, وهناك مؤرخون من جهة أخرى يميلون إلى التاريخ القصير ويؤرخون هذا الحادث بعام 2900 ق.م, أو عام 2704ق.م, غير أن الآراء أصبحت الآن متفقة على إتخاذ طريق وسط بين هذين الحدين فجعل 3200ق.م, وهذا التاريخ الذى بدأ فيه ملوك مصر المتحدة يحكمون البلاد يعرف ببداية التاريخ المصرى عند "مانيتون".
توحيد الوجهين:
جاء الملك "مينا" من بلد يسمى "ثنى" بجوار العرابة المدفونة بسوهاج, وكان حاكماً للوجه القبلى, إحتل حاكم الوجه القبلى "مينا" الوجه البحرى, ووحد الوجهين عام 3200 ق.م تقريباً, وجعلت هذه الوحدة منه أول فرعون لمصر, ليبدأ بذلك عصر الأسرة الأولى, أنشأ "مينا" مدينة "منف" (ممفيس) كعاصمة للبلاد الموحدة حديثاً, ومثل موقعها الوحدة على نحو نموذجى, حيث وقعت على رأس الدلتا, الحد بين الوجهين القبلى والبحرى, ورغم توحيد البلاد إلا أنه فى أول الأمر يحمل التاج الأبيض الخاص بالجنوب, والتاج الأحمر الخاص بالشمال, ولم يحمل التاج المزدوج إلا فى أواسط حكم الأسرة الاولى, وكذا نشاهد هذا التمييز فى المصالح الحكومية, فمثلاً نجد ان الخزينة مزدوجة, أى حزينة الوجه القبلى وخزينة الوجه البحرى وهكذا, كما نجد أن ملك مصر المتحدة لا يحمل لقب ملك مصر بل ملك الوجه القبلى وملك الوجه البحرى, وكذلك كان يحمل لقب "رب الأرضين" و"سيد (نسر) الجنوب", و"سيد (صل) الشمال.
أهمية "منف":
والظاهر أن ملوك الأسرتين الأولى والثانية لم يتخذوا "منف" عاصمة لملكهم, ولم يفكروا فى نقل ملكهم إليها, وإذن يحتمل أن منف لم تكن يوماً من الأيام عاصمة المملكة المتحدة, والظاهر أن الدور الذى لعبته فى التاريخ كان أقل من ذلك أهمية, فلم تتعد كونها معقلاً للبلاد فى الجهة الشمالية أى أنها كانت قلعة حصينة, أما الملوك فإنهم إستمروا فى إقامتهم فى الجنوب الأقصى متخذين بلدة "نخن" مقر لهم ولذلك كانت أهمية "منف" الإشراف على بلاد الدلتا التى ضمت حديثاً أهمية أخرى, إذ جعلتها مركزاً سهلاً لإدراتها, ولا شك أن منف كانت لـ "مينا" وأخلافه مركزاً حربياً هاماً لصد غارات اللوبيين الزاحفين من الجهة الغربية من الدلتا, وهؤلاء اللوبيين قد خضعوا بعد أن هزموا هزيمة منكرة, غير أن توحيد البلاد لم يكن قد تم, إلا بعد أن توصل أحد أخلاف مينا إلى التغلب على الجزء الجنوبى الأقصى من بلاد النوبة, وهو الواقع بين السلسلة والشلال الأول, ويطلق عليه "تاستى", وقد كان هذا الإقليم خارجاً عن حدود الممكلة المصرية "الوجه القبلى" طوال مدة عصر ما قبل الأسرات.
لوحة "نعرمر" أو "نارمر":
وفى أواخر القرن التاسع عشر من عصرنا, عثر على لوح إردواز سليم, يحمل نقوشاً تخلد إنتصار "نعرمر". وقد وجدت هذه اللوحة فى "هيراكنبوليس" بالقرب من العرابة وهى محفوظة الآن بالمتحف المصرى.
و"نعر" تعنى سمك "السلور" و"مر" تعنى "إزميل", ونظراً لأن هذين العنصرين ينطقان إسمه, نقشا بالهيروغليفية على قمة جانبى اللوح, ووضعت الكتابة الهيروغليفية بين رسمين لرأسى بقرتين تمثلان لوجه الإله "حتحور".
لوحة نارمر |
وعلى أحد الجانبين يظهر "نعرمر" مرتدياً أو التاج الأحمر للوجه البحرى "دشرت", ويسير فى موكب بإتجاه صفين من الأسرى مقطوعى الرؤوس ووضعت رؤوسهم بين أقدامهم وقد كتبت فوقهم أسماء البلدان التى فتحها "مينا". وإلى أسفل, يظهر ثور هائج ينطح قلعة ويسحق بقدميه الأعداء المهزومين كناية عن إنتصار الملك على أعدائه.
وعلى الجانب الآخر من اللوح, يرتدى "نعرمر" التاج الأبيض للوجه القبلى "هدجت" ويقف أمام "حورس", وهو يتأهب لضرب الأعداء بصولجانه حيث يقبض بيده اليمنى على صولجانه الذى يشبه دبوس له رأس على شكل كمثرى. بينما يقبض بيده اليسرى على شعر العدو المسمى "واش" , ويقف خلف "نعرمر" حامل نعليه ومسبوقاً بأربعة من حملة الأعلام ثم بوزيره أيضاً, وقد ذكر فوقه ما يعنى أن "حور" قد أحضر للملك أسرى من الدلتا (أرض نبات البردى), والمنظر السفلى يمثل عدوين عاريين فارين.
والرسالة التى يريد إيصالها واضحة: أنه ضرب الأعداء وإحتل أرضهم, وضمهم تحت حكمه. وتعتبر لوحة "نعرمر", التى إكتشفت فى "نخن" من أقدم السجلات المصرية للكتابة المصرية, حيث تعود إلى عصر ما قبل الأسرات.
"مينا" أم "نعرمر"؟
يعتقد كثيرون أن "نعرمر" و"مينا" شخص واحد, حيث كان لكثير من الفراعنة أكثر من إسم. ووفقاً لقوائم الملوك القدماء ومن بينها لوحة "أبيدوس" (التى تضم أسماء جميع الملوك منذ الأسرة الأولى حتى الملك "سيتى الأول" مرتبة ترتيباً زمنياً) وكذلك بردية "تورين" الموجودة بمتحف "تورين" بإيطاليا, وسجلات "مانيتون" (الكاهن المصرى الذى عاش قبل الميلات بحوالى ثلاثة آلاف عام, وقسم التاريخ إلى أسرات) كان مينا أول ملك يحكم خلال عصر الأسرة الأولى من مصر الموحدة عام 3200 ق.م تقريباً. وليس هناك الكثير مما يـُعرف عن "مينا" ويعتقد البعض أنه كان بطلاً أسطورياً, بينما يعتقد آخرون أن "مينا" هو الذى أسس "من نفر". و"من" التى تعنى "أسس" ربما كان إسماً مناسباً لمثل هذا الملك. بيد أن هذه اللوحة التى تخلد ذكرى التوحيد بواسطة حاكم يدعى "نعرمر" لم يظهر فى أى من قوائم الملوك, الأمر الذى يدعو للإهتمام.
حيث أننا هنا أمام أمرين:
الأول: لوحة تسجل إنتصارات ملك يدعى "نعرمر", ولا وجود لهذا الإسم فى أى مصادر أخرى سوى فى هذه اللوحة.
الثانى: أول ملك يحكم الأسرة الأولى هو "مينا" وذلك مصدره قوائم الملوك وسجلات مانيتون.
فهل "نعرمر" هو "مينا"؟؟؟؟
إعتقد علماء الآثار فى البداية أن "مينا" هو "نعرمر" ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن الملك "نعرمر" ليس "مينا", وإنما الملك نعرمر هو ملك حكم مصر فى فترة قبل الأسرة الأولى مباشرة إتفق العلماء على تسميتها "الأسرة صفر" كما أثبتت الدراسات أن "مينا" هو ملك آخر جاء بعد "نعرمر" هو الملك "عحا" أو "حورس عحا" الذى يعد قبره أو ضريحه أقدم أثر ملكى فى سقارة, وإسم "عحا" يعنى "المحارب" والذى نعرفه من خلال آثاره فقد شيد فى سقارة مقابر ضخمة مستطيلة الشكل من الطوب اللبن لنفسه ولأسرته ونعرف أيضاً إنتصاراته على النوبيين والليبيين لتأمين حدود مصر من الجنوب والغرب.
إذا فقد حقق "نعرمر" إنتصاراً على الوجه البحرى وأصبح حاكماً للوجهين ولكنه لم يقم بتوحيدهما.. حيث أصبح يرتدى تاج كل وجه على حدة ولم يتم دمج التاجين فى عهده.. كما ظلت المصالح الحكومية والإدارية منفصلة فى عهده أيضاً.
زوجة "مينا" او "نيت حتب" :
ويعتقد بعض العلماء أنه تدعيماً للوحدة تزوج مينا (عحا) وهو ملك جاء من الجنوب (الوجه القبلى) بأميرة من الشمال (الوجه البحرى) وهى المعروفة لنا بإسم "نيت حتب" حيث عثر بمقبرتها على بطاقة من العاج تسجل أحداثاً من عهد الملك عحا.
وقد تزوجها بعد أن قام بإخضاع الأقاليم الشمالية لمصر تحت حكمه، وقام بتوحيد القطرين, وقد تزوج مينا من الأميرة (نيت حوتب) كى يجعل إحدى أميرات الشمال ملكة على مصر كلها، بذلك يضمن ولاء هذا القطر.
وقد أنجبت هذه الملكة ابناً وهو (حور عما) أو (حورس المحارب) الذى أصبح فيما بعد ثانى ملوك الأسرة الأولى.
ومعنى هذا الأسم (نيت حوتب) فى المصرية القديمة (الربة نيت راضية)، وكانت حامية إقليم الدلتا ـ وكانت الصور تظهر الملكة وفوق رأسها التاج الأحمر وهو تاج الشمال ـ وتعد مدينة (سايس) بغرب الدلتا مركز عبادة الربة نيت. وتقول الأسطورة القديمة: إن الربة نيت كانت ابنة للإله (رع) وأماً للإله سوبك (التمساح)، كما كانت إحدى الربات الأربع الحاميات مع كل من إيزيس ونفتيس وسركت. وللملكة نيت نقش على قطعة من الحجر الجيرى فى مقابر حلوان. كما شيد الملك نارمر قبراً لها فى أبيدوس، وهو من أروع آثار تلك الحقبة الفرعونية. وقد عثر داخل هذه المقبرة على مجموعة من القطع العاجية دوّن على كل منها مجموعة من الأرقام تحت رسم يمثل عقداً أو سواراً، وتلك القطع ملصقة على صناديق تضم قطعاً من الحلى وضعت بجوار جثمان الملكة ـ وقد دوّنت بعض الكتابات على هذه القطع العاجية باللونين الأحمر والأسود.
أعمال "مينا":
هو الذى أسس أول عاصمة لمصر الموحدة وإختار لها مكاناً يربط بين الشمال والجنوب وهى التى عرفت فيما بعد بإسم "منف" (وهى حالياً قرية ميت ميت رهينة بمركز البدرشين محافظة الجيزة) وقد أحاطها بسور أبيض ولذلك سميت مدينة (الجدار الأبيض) ثم تغير إسمها بعد ذلك إلى (منف).
أقام "مينا" فى العاصمة "منف" أول حكومة مركزية قوية لمصر كلها مع جنوبها, وإستطاعت هذه الحكومة المركزية القوية تكوين جيش قوى ومنظم لحماية البلاد, وتامين حدودها من غارات الأعداء الذين كثيراً ما كانوا يطمعون فى خيرات البلاد.
هو أول من قام بترويض نهر النيل.. حيث أقام أول عمليات شق الطرق وإقامة الجسور على النيل, بل أنه أغلق فرعا للنيل حتى يصب الفيضان فى المجرى الرئيسى لتسهيل النقل والملاحة.
موحد القطرين أم مجرم القطرين:
أولاً دعونا نتفق منذ البداية أن توحيد القطرين كان على يد الملك "مينا" وأن الإنتصار الذى حققه الملك "نعرمر" وسجله على لوحته المشهورة لم يكن توحيداً للقطرين حيث أنه من خلال هذا الإنتصار إستطاع أن يحكم القطرين ولكنه لم يقوم بتوحيدهما.
فى مقال على موقع عرب تايمز يرى الأستاذ محمد راغب أن الملك "نعرمر" ما هو إلا مجرم حرب حيث يقول الأستاذ محمد راغب بأن: ما لم يذكره المؤرخون و واضعو المناهج و المدرسون أن ذاك "العدو" الراكع أمام الملك "نارمر" فى لوحته كان "مصرياً" أيضاً وأن المشهد المنحوت على لوحة "نعرمر" لا يصور إشتباكاً حربياً بين نظيرين متكافئين بل يصور قائداً ينتقم و يذل المهزوم المستسلم شر إذلال و يقتله شر قتلة!.
ويشير الأستاذ محمد راغب أيضاً إلى أنه فى أقصى يمين لوحة نعرمر على الوجه الآخر منها نرى عشرة جثث مذبوحة مسجاة على الأرض و قد وضعت الرؤوس المقطوعة بين أرجل القتلى إمعاناً فى إحتقار "العدو" المهزوم! وأن الجثث العشرة مقيدة عند الأكواع! مما يعنى ببساطة أن الجثث العشرة كانت لـ"أسرى" و لم تكن لمحاربين فى ساحة المعركة .. أى أن التمثيل بجثث الجنود ووضع الرؤوس بين الأرجل حدث بعد إعلان الهزيمة و تقييد الأسرى!
و ما لم يذكره المؤرخون أن تلكم الجثث العشرة المذبوحة كانت هى أيضا لـ "مصريين" من أهل الشمال !!
ثم يتساءل الأستاذ محمد راغب: ما الفرق بين مينا الذى وحَد مصر و بين صدام حسين فى "محاولته" لتوحيد العراق بضم الكويت بالقوة المسلحة!؟
وهنا أجيب على الأستاذ محمد راغب فى نقطتين:
1- لا يجب أن نقارن بين ملكين أو حاكمين من زمنين مختلفين.. فلا يجب الحكم على زمن إلا بمعايير هذا الزمن.. فلا يمكن أن نقارن بين ملك يحكم بلداً فى بدايات تكوين الحضارة بملك آخر فى آخر ما وصلت إليه الحضارة من تقدم.. لا يمكن أن نقارن بين زمن ليس فيه أى معايير أو قيود دينية أو دولية أو إجتماعية أو أخلاقية .. إلخ بزمن تحكمه كل هذه القوانين وتفصل بين الدول وبعضها الحدود الدينية والتاريخية والسياسية.. إلخ...
2- أما عن أن التاريخ لم يذكر أن العدو أو الأعداء كانوا مصريين أيضاً.. فلا أعرف من أى مصدر جاء الأستاذ محمد راغب بهذا الكلام؟؟ فإذا كان التاريخ يذكر أن كل وجه من الوجهين كان يحكمه حاكم مصرى وأن كلا الوجهين هما مصر ولكنها مقسمة إلى نصفين.. وإذا كان التاريخ يذكر بأن الملك "نعرمر" حاكم الوجه القبلى قد إحتل الوجه البحرى وفعل فيهم ما تقول.. فكيف لم يذكر التاريخ بأن الأعداء الذى إنتصر عليهم "نعرمر" كانوا "مصريين"؟!!!!
نقلته لكم
منال رأفت